بقلم المهندس/ طارق بدراوى
إمبابة منطقة كبيرة في شمال محافظة الجيزة على الجانب الغربي من نهر النيل وهو إسم حي أو منطقة عمرانية تشكل جزءا من حي شمال الجيزة والذي يعد جزء من إقليم القاهرة الكبرى الذى يشمل محافظة القاهرة والمناطق الحضرية بكل من محافظتي الجيزة والقليوبية المتاخمتين لمحافظة القاهرة وكذلك فإن إمبابة إسم مركز ريفي يتبع أيضا محافظة الجيزة وقبل دخول أجزاء من منطقة إمبابة في الزمام الحضري لإقليم القاهرة الكبرى ظلت تلك المنطقة لقرون طويلة هي المحطة الأخيرة للجمال التي كانت تجلب من بلاد السودان والحبشة والقرن الأفريقي عبر درب الأربعين علي الحدود الجنوبية لمصر مع دولة شمال السودان الآن لتباع في السوق الكبير والأشهر في المنطقة الذي يعقد كل يوم جمعة من كل أسبوع والذي لا يزال باقيا حتى اليوم وإن لم يعد بذات الأهمية التي كان عليها في الزمن الماضي بعد أن تقلصت تلك التجارة وكادت أن تنعدم في وقتنا الحاضر …..
وقد ورد في كتاب جني الأزهار أن منطقة إمبابة كانت تقع بين شطي النيل ولذلك يسمى جزء منها حتى اليوم جزيرة إمبابة وفي سنة 715هجرية تم تقسيم إمبابة إلى ثلاث نواح هي تاج الدولة ومنية كردك ومنية أبوعلي التي تعرف اليوم بإسم كفر الشوام وفي عام 1274هجرية تم إستحداث ناحية رابعة هي كفر الشيخ إسماعيل بن يوسف الإمبابي الذي يرجع نسبه إلى الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصارى سيد قبيلة الخزرج بالمدينة المنورة أيام هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها والذي يقام له سنويا مولد من أكبر وأشهر موالد الجمهورية ويعرف بإسم مولد الإمبابي وفي عام 1300هجرية تم أيضا إستحداث جزء خامس هو جزيرة إمبابة وظلت إمبابة على حالها من ناحية التقسيم حتى عام 1940م حيث كان يحكمها عمدة يساعده في أعماله مشايخ في مناطقها المختلفة حتى صدر قرار وزير الداخلية في ذلك العام بإنشاء بندر شرطة إمبابة الذي نص على أن يقوم المركز بإختصاصات عمدة إمبابة ومشايخها حيث أصبحت النواحي المشار إليها وهي تاج الدولة وكفر الشوام وميت كردك وكفر الشيخ إسماعيل بالإضافة إلي مناطق المنيرة ومدينة العمال ومدينة التحرير والمساكن الشعبية وعزبة الصعايدة ومطار إمبابة وجزء من منطقتي مدينة الأوقاف وميت عقبة الحاليتين تابعة لمركز شرطة إمبابة …..
ويذكر التاريخ أنه قد قامت بتلك المنطقة معركة إمبابة الأهرام الشهيرة بين المماليك والحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت في يوم 21 يوليو سنة 1798م والتي إنتهت بهزيمة المماليك ودخول الحملة الفرنسية إلي القاهرة والتي إستمرت حتي عام 1801م كما يذكر التاريخ أيضا أن الملك إدريس السنوسي ملك ليبيا الراحل بعد أن إستقر في القاهرة عام 1939م عند قيام الحرب العالمية الثانية في شهر سبتمبر من هذا العام بدأ في إعداد الجيوش لمساندة قوات الحلفاء بريطانيا وفرنسا في الحرب وأقيم معسكر للتدريب في إمبابة وذلك لإسترداد وطنه ليبيا من الإيطاليين الذين كانوا يحتلونها وأذاقوا أهلها من ألوان الذل والهوان الكثير والكثير والذين كانوا قد إنضموا إلي قوات المحور والتي كانت بقيادة ألمانيا واليابان ضد قوات الحلفاء …..
وبخصوص تسمية تلك المنطقة بإسم إمبابة فهناك الكثير من التفسيرات أرجحها أنه يعود أصل تسمية المنطقة بهذا الإسم إلي كلمة نبابة والتي تم تحريفها إلي إمبابة والتي تعني باللغة الأمهرية لغة أهل الحبشة نخلة الدوم المصرية ومن المرجح أن يكون الإسم قد أطلقه تجار ورعاة الجمال من أهل الحبشة والذين كانوا يتحدثون بالأمهرية لغتهم الأم كوصف للمنطقة التي كانوا يلتقون ويتجمعون فيها أثناء قدومهم إلي تلك المنطقة للتجارة وبيع الجمال في السوق الشهير المتواجد بالمنطقة منذ قديم الزمان حيث كانت تكثر بها هذه النوعية من أشجار النخيل …..
وتضم إمبابة العديد من المعالم الهامة منها كوبري إمبابة المعدني أو كوبري قطار الصعيد وهو عبارة عن كوبري حديدي يقع شمال القاهرة على نهر النيل يربط بين القاهرة والجيزة وتحديدا يربط بين حي بولاق أبو العلا وروض الفرج بمحافظة القاهرة وبين حي إمبابة بمحافظة الجيزة وبه حاراتان لعبور السيارات على حواف الكوبري وممران سطحيان لعبور المشاة وفي الوسط نجد خطوط قضبان السكك الحديدية للقطارات القادمة من القاهرة إلى قنا والأقصر وأسوان والعكس ويعتبر هذا الكوبرى محور رئيسى وهام جدا بالنسبة لهيئة سكك حديد مصر لأنه الوحيد على خطوط سكك حديد الصعيد الذي يمر فوق نهر النيل لينقل القطارات من شرق النيل إلي غربه وبالعكس عند القاهرة ولايوجد كوبرى مماثل له إلا علي بعد حوالي 600 كيلو متر جنوبي القاهرة عند نجع حمادى بمحافظة قنا لنقل حركة القطارات من غرب النيل إلي شرقه وبالعكس وقد قام بتنفيذه المهندس الإستشاري الفرنسي دافيد ترامبلي وتم إفتتاح الكوبري رسمياً في يوم 15 مايو عام 1892م في عهد الخديوى عباس حلمى الثانى الذى كان حاكما علي مصر في تلك الفترة في إحتفالية خاصة حضرها الخديوى بشخصه وكان يبلغ طوله حينها 495 مترا ثم تم تعديله ونقل جزء منه إلى مدينة دمياط شمالي مصر وهو المعروف الآن بكوبري دمياط القديم والمقام علي نهر النيل بتلك المدينة في عام 1927م في عهد الملك فؤاد وجدير بالذكر أن هذين الكوبريين كان لهما أكبر الأثر في تنمية وتعمير محافظات الصعيد وتنشيط حركة التجارة ونقل البضائع والأفراد بين الوجهين القبلي والبحرى عبر القاهرة بإستخدام خطوط السكك الحديدية التي إمتدت إلي جنوب مصر وكذلك تنمية وتنشيط وإزدهار النشاط السياحي في المناطق السياحية في جنوب مصر وبالذات في مدينتي الأقصر وأسوان …..
ومن أهم معالم حي إمبابة أيضا نفق إمبابة وهو أحد أهم معالم منطقة المنيرة بحي إمبابة وقد بنى في وقت إنشاء كوبرى إمبابة للسكك الحديدية كى يمر قطار الصعيد فوقه كما يسميه اهالى المنطقة أو قطار الوجة القبلى وكذلك لكي تمر السيارات أسفله ويمر أسفل هذا النفق شارع ترعة السواحل والذي يبدأ متفرعا من شارع السودان عند محكمة إمبابة حتي يصل إلى موقف إمبابة ومن معالم إمبابة أيضا نجد المبني الجديد للهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية والذى تمت إقامته على مساحة قدرها 35 ألف متر مربع تقريبا وتم تزويدها بأحدث ماكينات الطباعة المتطورة حتى يتهيأ لها كل أسباب النهوض برسالتها وقد إفتتحت الهيئة رسميا في مبناها الجديد في عهد الرئيس الراحل أنور السادات حيث إفتتحها المهندس إبراهيم سالم محمدين وزير الصناعة آنذاك يوم السبت 28 جمادى الآخر سنة 1393هجرية الموافق 28 يوليو سنة 1973م وإعتبرت الهيئة من الهيئات ذات الطابع الإقتصادي و ذلك بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1039 لسنة 1979م وتلك الهيئة هي المسؤولة عن طباعة الجريدة الرسمية للدولة و تصدر كل يوم خميس وكذلك تقوم بطباعة جريدة الوقائع المصرية وهى أقدم صحيفة مصرية و تصدر الآن كملحق للجريدة الرسمية غير أنها تصدر يوميا فيما عدا أيام الجمع والعطلات الرسمية كما تقوم الهيئة أيضا بطباعة كافة المطبوعات الحكومية والكتب القانونية والتقاويم والمصحف الشريف وجدير بالذكر أنه يعود تاريخ إنشاء المطابع الأميرية في مصر إلى أكثر من 196 عاما فقد أنشئت المطبعة الأميرية القديمة في حي بولاق في شهر سبتمبر عام 1820م وإفتتحت رسميا في عهد محمد على باشا عام 1821م وكانت تطبع الكتب العسكرية للجيش ثم تطورت بعد ذلك حيث تم تكليفها بطباعة الكتب الأدبية والكتب العلمية و المدرسية …..
ومن أهم معالم الحي أيضا نجد مطار إمبابة والذى يقع بين حي المهندسين وميت عقبة ومن ورائه حي إمبابة وطريق محور 26 يوليو وحي العجوزة والبراجيل وأرض اللواء ومساحة أرض هذا المطار حوالي 220 فدان وقد تم إنشاؤه في نهاية الأربعينيات في عهد الملك فاروق حيث كانت الكثافة السكانية منخفضة في تلك المنطقة والشوارع واسعة وفسيحة وكانت تلك المنطقة واحدة من مناطق إسكان شريحة من صفوة المجتمع حينذاك ولكن مع الإدارة السيئة لنظام المحليات غرقت المنطقة في طوفان العشوائيات الأمر الذي أدى إلى عدم إمكانية تطبيق قواعد الطيران المدني السليمة حيث وقعت حوادث مؤسفة كثيرة بسبب ذلك منها مصرع خمسة أشخاص بسبب سقوطهم من فوق أسطح المنازل لرعبهم من إقتراب الطائرات منهم أثناء الهبوط بالمطار وفي عام 1982م سقطت طائرة تدريب في زمام قرية البراجيل وفي عام 1991م قام ثلاثة عاطلين بسرقة محطة المساعدات الملاحية الخاصة بإرشادات الطائرات وقاموا ببيعها لتاجر خردة مقابل مبلغ زهيد جدا حوالي 300 جنيه بالرغم من أن سعرها الأساسي يقدر بحوالي 50 ألف دولار كما تسلل طفل من إحدى فتحات سور المطار ذات يوم ووصل إلى ممر الطائرات فصدمته مروحية أثناء هبوطها كما أن الإرتفاعات المخالفة والمباني العشوائية وقفت حائلا أمام إتباع القواعد السليمة للطيران لذلك تم نقله إلى مدينة 6 أكتوبر ومن هنا بدأت الجهات الحكومية والمسؤولون يفكرون في كيفية إستغلال مساحة أرض هذا المطار ببنائها أبراج وأحياء سكنية مع إزالة العشوائيات التي بجوار منطقة المطار أو بيعها لرجال أعمال ومستثمرين مصريين أو أجانب لتتحول إلى حي راقي جيد التخطيط وقد تم بالفعل مؤخرا إعداد تخطيط جديد لإستغلال أرض المطار بعدما تم وقف الطيران به نهائيا بداية من عام 2001م إلا أنه لم يتم البدء الفعلي في تنفيذ هذا المخطط حتي الآن وجدير بالذكر أنه كان من ضمن أنشطة مطار إمبابة قبل غلقه نهائيا ممارسة رياضة الطيران الشراعي التي يهواها الكثيرون وكانوا يمارسونها من خلاله …..
وبمطار إمبابة يوجد معهد هندسة وتكنولوجيا الطيران وهو المعهد المدني الذي يعطى بكالوريوس هندسة الطيران في مصر إلي جانب كلية الهندسة جامعة القاهرة قسم الطيران والفضاء والكلية الفنية العسكرية ومعهد هندسة وتكنولوجيا الطيران من المعاهد المشهورة والعريقة في الوطن العربي في مجال تعليم هندسة الطيران وهو تابع لوزرة التعليم العالى ويعتبرهو الوحيد في العالم العربي الذي يمنح مع شهادة بكالريوس الهندسة الرخصة الأساسية البيزك المعتمدة من منظمة الطيران العالمي ويضم هذا المعهد ستة أقسام في مجال الطيران المدني كما تم مؤخرا صدور القرار الجمهوري بتحويل المعهد إلى الأكاديمية المصرية لعلوم الطيران وهذه الأقسام هي قسم هندسة ميكانيكا الطيران وقسم هندسة الإلكترونيات والإتصالات وقسم هندسة ميكانيكا قوى وقسم هندسة كهرباء قوى وقسم الهندسة المدنية وقسم الهندسة المعمارية والدراسة به خمسة سنوات دراسية يحصل في نهايتها الخريج على شهادة بكالريوس في الهندسة معتمدة من وزارة التعليم العالي ومعادلة لبكالوريوس الهندسة من الجامعات المصرية الرسمية …..